السبت، 7 أبريل 2018

لجم الأفاعي

تكلمت في المقال السابق عما أسميته أخلاق الأفاعي و التي لو أردت اختصارها فهي تشتمل على الغدر و الخيانة و الأنانية المفرطة و الانتهازية و النفاق ، وكما أن الرد على الأفعى بأسلوبها يوقعك في ثوبها فإن العلاج الأسلم لهذه الأفاعي البشرية لجْمُها بما عبرتُ عنه في المقال السابق بـ(أخلاق الجبال) و قد اخترت هذا التعبير لما يحمل من معانٍ عظيمة سأسرد بعضها :

أولاً - الثبات : و هو من أبرز صفات الجبال حتى أُطلق المثل العاميّ ( يا جبل ما يهزك ريح )  ، و ميزة هذه الصفة أن كثيراً ممن يتعرضون للكيد و الأذى يصابون بالإحباط من صدقهم و عفويتهم و هو ما قد يؤدي بهم للتراجع عن التعامل مع الآخرين و الاحتكاك بهم أو بالانقلاب إلى العدوانية لحماية أنفسهم و كلاهما دلائل على ضعف ثباتهم ، و أقوى ما يدعم ثبات الإنسان على موقف أو قناعة التحقق من أدلة هذا الموقف و أسبابه فلو ثبت لنا سلامته و قوته ازددنا قناعة و نتيجة القناعة المزيد من الثبات على الموقف مهما كانت درجة هذا الموقف صغيراً كان أم كبيراً مهماً أو ثانوياً ، و مع هذا فإن الوصف الأرقى للجبال في هذا المجال قوله تعالى: ( و جعلنا الجبال اوتاداً) فهو ليس ثابتاً لنفسه فقط لكن ثباته يتعدى لمن هم حوله.

ثانياً - الهدوء : و هو مخالف لهدوء الأفاعي ، فهدوء الأفاعي منطوٍ على مآرب لا تستطيع البوح بها كي لا تَفسُد أغراضها أو لا تُكره لسوء ما تخفيه ، أما الجبال فهدوؤها هدوء ثقة و هدوء تحفظ فهي  لا تحتاج أن تخبر أحداًعن مدى ثباتها أو صلابتها  او ارتفاعها لأن من أراد معرفة الحقيقة فهي ظاهرة أمامه و من أراد نكرانها فهي حقيقة لا تتغير بالآراء ، كما أن الكتمان - في الخير- أمر لا ضير فيه مالم يكن فيه إضرار بأحد أو سلب لأمر غير مشروع.

ثالثاً - سهولة الجانب : فلكل جبل مهما كانت وعورته سهول تحفه و طرق توصل الناس و تقربهم إليه و كلما زادت و سهُلت هذه الطرق ازداد تقرب الناس منه و محبتهم له و ميلهم نحو كتفيه ، أما إذا بالغ في وعورته فإما سيهجره الناس أو سيشقون الطرق نحوه عنوة عنه و هو ما قد يشوه مظهره.

رابعاً - الشموخ : و الجبل بطبعه شديد العلو ، مترفع عن القيعان ، و أعجب ملامح شموخه أن الناس تتسلق أكتافه و تستخدمه لترتفع فلا يتهز لانتهازهم علوه فيبقى عالياً ، لأنهم مهما حاولوا الارتفاع لم يعلوا عليه ثم يبقى شامخاً و هم ينزلون ، والسبب أن الشموخ صفة أصلية فيه لا يتكلفها ولا يتصنعها كما يحاول المنتهزوون.

خامساً - رقة القلب : قال تعالى: ( لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله ) و هنا يكمن العجب العجاب الذي مهما سعينا لمعرفته لما وصلنا له لأننا لا نرى سوى الظاهر من صلابة تلك الجبال الشماء ، و لولا ما أخبرنا به القرآن لما علمنا حجم الرقة و الخشوع الكامن في قلوبها التي إذا لامستها عذوبة القرآن و آيات الله تشققت و ارتعشت و إذا مرت بها حدوده وقفت و استسلمت ، و هذا الخضوع للحدود و الخشوع لرقة المعاني هو ما يُمدها بقوتها و صلابتها لعلمها أن تلك الصلابة و القوة ليست إلا في سبيل الحق و العدل.

و أخيراً - فإن للأفاعي أشكالاً متعددة وأنواعاً متزايدة ، فقد تتمثل في أشخاص عاديين منهم الصديق و القريب و الغريب أو قد تظهر في شكل أَعلام كمثقف أو إعلامي أو مفتٍ و قد نراها في صورة كيانات كالكيان الصهيوني أو ملالي إيران أو قنوات الدجل و التحريض المعسول ، ولكن الأهم من البحث عن هذه الأشكال التحلي بأخلاق الجبال لأنها هي الكفيلة بلجم سموم الأفاعي.