الأحد، 21 أبريل 2019

الصعاليك

هذا هو الوصف الذي وصفه العميد بسام عطية للشبكة الإرهابية التي أُعلن عنها عبر مؤتمر صحفي مساء أمس ، وهو المؤتمر الذي لا أكتم سراً حجم انبهاري بأسلوب العرض المنظم والمفصل مدعماً بأرقام و نسب مئوية تستبق ورود السؤال على ذهن المشاهد و تجيب عنها ، لدرجة أن أغلب أسئلة الصحفيين الذين حضروا المؤتمر تبدأ الإجابة عنها بـ( كما ذُكر فإن..) فتحية لمن أعد لهذا العمل المتميز.

في الواقع فإن أكثر أمر لفت انتباهي في كل المؤتمر هو تركيز العميد بسام على أن جميع المقبوض عليهم تقريباً يعيشون ظروف حياة طبيعية لا تختلف عن أكثر الناس ، فأكثرهم ليست له أي سوابق و جميعهم سائرون في تحصيلهم العلمي بين التعليم العام و التعليم الجامعي ، و هو عكس ما كان يطرح سابقاً من أن نسبة كبيرة من الملتحقين  بالجماعات  الإرهابية هم إما مضطربون نفسياً أو مدمنون سابقون أو غير ذلك من الظروف الطارئة التي تنتج إنساناً محبطاً أو حاقداً ، أعلم ما السؤال الذي خطر على بالكم أعزائي القراء فهو نفس السؤال الذي لم يفارق مخيلتي طوال مدة البيان الذي استمر أكثر من ساعة و هو : كيف تم تجنيد هؤلاء الأشخاص و الذين هم في أغلبهم لم يتجاوزوا العشرينيات من أعمارهم ؟ و كيف يمكن تحويل مراهقٍ إلى آلة تدمير تسهل برمجتها عن بعد ؟ و هل أبناؤنا في مأمن من هذه الأفكار التي تتخذ صورة مشوهة من الدين للوصول لمآرب لا تمت للدين بصلة؟
إن أول ما خطر بذهني أثناء البحث عن إجابة لهذه التساؤلات هو هرم  ماسلو للاحتياجات الإنسانية ، و هذا الهرم يقسم حاجات الإنسان بدءاً من الأهم إلى الأقل أهمية فهو متدرج لا يمكن الحصول على حاجة دون الحصول على التي قبلها  و له تفصيلات لن أتطرق لها جميعها و إنما سأتحدث عما له علاقة  بموضوعنا و هي كالتالي : الحاجات الفسيولوجية ، الحاجة إلى الأمن ، الحاجات الاجتماعية ، الحاجة إلى التقدير و الاحترام ، الحاجة لتحقيق الذات .

حسناً دعونا نبدأ مع الحاجة الأولى وهي الحاجات الفسيولوجية و تعني الحاجات الجسدية الطبيعية  التي يتفق فيها كل البشر كالأكل و الشرب و النوم و التنفس ، فلو فقد الإنسان هذا المستوى المتدني من الحاجات صار معرضاً للانحراف -أو التجنيد - و كلنا نعلم بأن هذا حاصل وللأسف في المناطق المطربة فمعادلة الحياة لهؤلاء صارت  صفرية و هم مستعدون للمخاطرة بأرواحهم - التي يرونها ضائعة أصلاً - من أجل الحصول على لقمة العيش.

ثانياً الحاجة للأمن ، فتخيلوا معي مراهقاً يعيش بيننا ولكنه يشعر بالتهديد يومياً من والده أو أحد إخوته أو جيرانه بسبب السُكْر أو المخدرات أو اضطرابات نفسية أو غير ذلك ، فكيف ستكون حالة هذا الفتى ، لاشك أنه سيتجه لأقرب من يوفر له الأمن و لو كان إبليس بنفسه حتى لو شعر بأنه يوهمه فقط فقد يركن للوهم الذي يخفف عنه حقيقة مزعجة بالتجربة التي هي من صفات المراهقين الأساسية ، لذلك يجب على كل مقربٍ من أسرة من هذا النمط الفاقد للأمن ألا يقف مكتوف الأيدي فأبناؤهم معرضون للانحراف يميناً أو يساراً.

ثالثاً الحاجات الاجتماعية : و هي في تقديري أهم نقطة بالنسبة لنا كمجتمع لأن الحاجتين السابقتين متوفرتين في الغالب- على الأقل لدى أفراد الشبكة الإرهابية المذكورة - فكيف يكون هذا ؟ قام بعضهم بتوضيح هذه النقطة بوصفها حاجة الحب و الانتماء ، وجميعنا نعلم أن الإنسان اجتماعي بطبعه و يميل للانتماء إلى مجموعات و سأضرب مثالاً ، حاولوا أن تتذكروا كم من أصدقائكم الذين تعرفونهم تعلمون أن الجو العائلي الذي يحويهم يغلب عليه عامل الصداقة و الألفة و المحبة والارتباط الكبير لدرجة انهم يفضلون السفر سوياً أحياناً ؟ فهل تتوقعون أن هذا النوع من العوائل يسهُل اختراق عقول أبنائه أم يصعب - لا أقول أنه مستحيل - ، تخيلوا معي وضعاً مناقضاً لهذا الذي وصفتُه ، ألا يبدو أكثر عرضة للانجراف هنا أو هناك ؟ خاصة مع اللانفتاح المهول الذي يعيشه مراهقوا هذا الزمن و الذي تتيحه لهم هواتفهم المحمولة و الألعاب الإلكترونية المرتبطة بشبكة الانترنت ، ولقد ساءني لما سمعت بعض الآباء يقول :( لقد منعت أبنائي من اللالتحاق بأي نشاط حتى لا يتعرضوا للأفكار الإرهابية) و لو سلمنا أن من طبيعة المراهقين الميل لتكوين الصداقات و الانتماء لمجموعات خارج نطاق الأسرة ، فهو بالتأكيد يجهل أنه لا يشبع حاجة ابنه أو بنته بالانتماء لمجموعة تمارس نشاطها  تحت نور الشمس ،فيحرمهم ثم ينساهم بالساعات في غرفهم المغلقة سابحين في عالم يجهله ولا يستطيع الوصول إليه فأي الخيارين أفضل؟

هنالك جوانب أخرى مهمة ينبغي ألا نغفلها و هي إلى حد ما خارجة عن موضوع الهرم و الحاجات - الذي لن أكمل الحديث عنه من باب الاختصار - و هي كيفية إقناع هؤلاء المراهقين و الدخول إلى عقولهم و إعادة برمجتها على هوى أولئك المُغرضين.

نقلت الكاتبة العراقية د.أفراح لطفي عن وليم جيمس في كتابها : الفلسفة : فسيولوجيا العقل و علم تشريح الأفكار ( .. كل انطباع يفد من الخارج سواء كان جملة نسمعها أم شيئاً نبصره...فإنه مجرد أن يدخل وعينا لايلبث أن يأخذ اتجاهاً معيناً محدثاً ارتباطاً مع المواد الأخرى الموجودة - في عقولنا - من قبل و منتجاً ما يسمى ردة فعلنا... فالانطباع ينبه و يوقظ رفاقه القدامى..) لقد أعجبني وصفه برفاقه القدامى و أضيف هنا بأن ردة الفعل قد تكون إيجابية أو سلبية، فمثلاً لو رسخنا في عقول أطفالنا من صغرهم أن المشروبات الغازية تضر جسد الإنسان كالسم تماماً ، فبمجرد أن يلتقي رفاقه في مطعم و يعرض عليهم البائع أن يختاروا بين أحد هذه المشروبات فإن هذا العرض سيسترجع الفكرة المغروسة في عقله الباطن و يذكره بها فيرفض المشروب و يكون رد فعله هنا إيجابياً ، كذلك في قضايا العنف و الإرهاب فيجب أن تبدأ كل أسرة بعملية غرس فكرة رفض مثل هذه الأعمال أو حتى الانصياع لأشخاص مجهولين يناقشون معه أفكار غريبة لم يعتدها مهما أحبهم أو اقتنع بهم ،و يمكن ذلك عن طريق عرض بعض نتائج الأعمال الإرهابية هنا في البلد أو خارجها و إفهامه أن صفة من قاموا بهذه الأعمال الفظيعة هي كذا و كذا ، وأنا أتكلم هنا عن الأعمار الصغيرة ، أما المراهقين و الشباب فيجب مناقشتهم من فترة لأخرى باستغلال الأحداث الدامية المتلاحقة التي يذيع صيتها كالطفل السوري عمران أو ايلان أو غيرها من الحوادث.

زاوية أخرى خطيرة يتم استغلالها و هي زاوية العاطفة التي تكون في أوجها في عمر المراهقة و التي قد تطير بالفتى أو الفتاة في اتجاهات مفاجئة قد نستغربها و حلها بأمرين :

الأول : هو توظيف هذه العاطفة في مسارها الصحيح ولا أجد توظيفاً أفضل من تكرار زيارة الحرمين الشريفين لهذا الغرض ثم تعريفه على سيرة الرسول  و الصحابة رضوان الله عليهم و يمكن كذلك إفهامهم أن هؤلاء الأعلام سكنوا نفس الأرض التي نسكنها و كرسوا حياتهم لحمايتها ، ولا نغفل واجب إبداء مظاهر الحب للأبناء و البنات لما فيه من تفاعل عاطفي سليم.  

أما الأمر الثاني : فهو إشغالهم بما يفيد و ينفع في أوقات الفراغ و هنا ترتفع المسؤولية على المدارس و المؤسسات المعنية و التي من الواجب عليها أن تتيح برامج مفيدةً و ممتعة للشباب و المراهقين تتيح لهم فرصة التعبير عن شعورهم و آرائهم و استثمار طاقاتهم الاستثمار الإيجابي ، بحيث تكون هذه البرامج منظمة و تحت إشراف وزارة التعليم و تكون خارج وقت الدوام المدرسي ، و المدارس الصيفية نقطة إيجابية نتمنى أن تتوسع لكل الإجازات بما فيها إجازة نهاية الأسبوع .

و أخيراً أود أن أشيد بدور الجهات الأمنية فيما قامت به من تفكيك لهذه الشبكة التي كانت تستهدف أمن البلاد و لكن الله كشف أمرهم ، اللهم احفظ هذه البلاد و أدم عليها الاسترخاء و الأمن و الأمان و لباس الدين و اصرف عنها كيد الكائدين و شر الحاسدين .. آمين

أصل النشر بتاريخ ٢٠ / ٩ / ٢٠١٦م