الأربعاء، 6 فبراير 2019

حزب الفرد الواحد



لحظة ! فلا تتركوا لخيالكم أن يعود إلى زحام قنوات الأخبار وضجيج برامج السياسة فحديثنا مناقض لكل هذه الفوضى ، فهذا العنوان (Party of one) في الأصل لكتاب المؤلفة أنيلي روفوس (Anneli Rufus) والذي تحدّثَت فيه عن فوائد العُزلة عن الناس و أثرها الإيجابي على النفس و التفكير فعبّرت عن فكرتها بهذا العنوان المشوق، و موضوع العزلة ليس بجديد فقد أُلفت فيه المؤلفات و انتشرت المقولات عن مفكري العرب و الغرب.
لكن ما يثير الانتباه ما بات يُعطَى لهذا الموضوع من هالة فخمة مؤخراً مثلها مثل المتغنين بأجواء (القهوة) حتى صارت صورة هؤلاء الأشخاص من مُكثري الحديث عن ضرورة و جمال العزلة  مقولبة في أذهاننا بصورة أظنكم تتخيلونها الآن وأنا أتحدث عنها.
وليس لي اعتراض على منافع العزلة فقد امتدحها من هم أفضل و أعلم مني إلا أن المزعج في بعض من يُكثر الحديث عنها ما يتضمّنه كلامهم من تلك الصورة المتعالية على المجتمع ، فيُكثر هؤلاء نقل كلام الفلاسفة عن مدح العزلة في حين أن مقارنة صغيرة بين قائل الكلام و ناقله قد تثير موجة من السخرية  والاشمئزاز بسبب الفرق الشاسع بينهما .
فبينما يصرف أولئك العلماء و المفكرون أكثر أعمارهم معتزيلن الناس في التأمل في الحياة و التعمق في العلم و ابتكار نظريات لم يسبقهم إليها أحد أفادت منها البشرية جمعاء، نجد أصحاب العزلة المزيفة اليوم منصرفين  لمشاهدة الأفلام السينمائية في غرفهم المظلمة ، أو الجلوس على طاولات المقاهي الفارهة –أو التي تبدو كذلك- و تُنتج أحياناً شخصيات معقدة تستنكر السيء من الناس و تأتي بالأسوأ في محاولة لتغليف فشلهم في الاندماج الطبيعي في المجتمع بصورة من التعالي الوهمي، و ما لايعلمه بعض هؤلاء أن أفضل ميزة لاعتزالهم المجتمع هي كفايتهم الناس عُقَدهم.
ويجدر الانتباه إلى أن العزلة ليست ممدوحة دائماً وقد كانت في نهج نبينا محدودة غير طاغية حتى انتقد المشركون اختلاطه بالناس (وَقَالُوا مَالِ هَٰذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ۙ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا ( الفرقان:7
و في النهاية أود التأكيد على أني عرفت نماذج كثيرة تمتلك قدرة تثير الإعجاب في الاستثمار الناجع للعزلة و دللوا على هذا النجاح بعدم الحديث عنها لانشغالهم فيما يفيدهم ويفيد الآخرين ، لكن الذي يحزن النفس أن التظاهر في هذا الزمن العجيب قد طال حتى هذه القيم الرفيعة !