الأحد، 2 سبتمبر 2018

التعليم آمال و أحلام (١)


إن أمر التعليم مهم لكل فرد في هذا المجتمع فكل منا إما موظف فيه أو متعلم أو في أسرته من يمثل أحد الفئتين و هما ليستا بقليلتين ، فقد بلغ عدد العاملين في قطاع التعليم العام حسب إحصائية وزارة الخدمة المدنية لعام 1435هـ (513569) خمسمائة و ثلاثة عشر ألفاً و خمسمائة و تسعة و ستون موظفاً ، في حين أن عدد الطلبة التعليم العام المقيدين حتى عام 1435هـ تخطى حاجز السبعة ملايين طالب و طالبة ، فلو أدرجنا التعليم العالي بطلبته و عامليه لجاوز الرقم ثلث سكان المملكة ، إذاً فنحن نتكلم عن ثروة وطنية هائلة ، وهنا تكمن الأهمية و الخطورة معاً.

إن أحد أهم المشكلات التي يواجهها قطاع التعليم هي أن العملية تسير بشكل غير تكاملي فكلٌ يبنى على انطباعات وتصورات تسكن ذهنه دون النظر للعوامل المحيطة و الجهات ذات العلاقة ، فللطالب صورة مُتخيَّلة للمدرسة التي سيلتحق بها لكنها سرعان ما تنهار بمجرد تخطيه بوابة الدخول ، أما أولياء الأمور فيرسمون أبهى صورة لابنهما أو بنتهما حين يبدأ أبناؤهم بالسير في ركب العلم الذي يفاجئهم لا بخوائه وهشاشته فقط بل باقتلاع ما زرعوه طول عمر ابنهما قبل الدراسة ، و المعلم يتصور واقعاً مشرقاً يبنيه لكنه لا يلبث أن يتم سحقه بين إدارة متجمدة و بيئة تعليمية متهالكة ، و الخاسر الأكبر هو سوق العمل المنتظر بشغف انتاج الكوادر الوطنية الشابة -المجبر على توظيفهم أحياناً-  و الذي بمجرد احتضانه لهم يرى بريقهم يتفتت بين يديه ، و هذه هي الأزمة فلكل فئة من هؤلاء تطلعات كبرى حلقة الوصل الوحيدة فيها هي المدرسة.

لقد لخص الدكتور ستيفن كوفي -صاحب الكتاب الشهير العادات السبع للأشخاص الأكثر فعالية- في كتابه (The Leader In Me ) تطلعات كل فئة من هؤلاء حول ما تقوم به المدرسة ، سأذكرها باختصار و أضيف عليها ما تحتاجه أو تنتظره المدرسة من كل فئة من هذه الفئات:

أولاً- الطالب:
و هو رأس المال الذي لو أُهمل لما كان لعملية التعليم أي معنىً ، و مع أن الكتاب وضعه أخيراً إلا أني أبدأ به ، و يذكر الكاتب أن للطالب أربع حاجات رئيسية  و في حين أن من شبه المستحيل قيام المنزل بإشباع كل هذه الحاجات فإن الطلبة يأتون للمدرسة وهم في حالة شراهة نحو هذه الحاجات في حين أن أغلب التربويين يركزون فقط على جانب واحد وهو التحصيل العلمي و هو ما يستنزف جهودهم وأوقاتهم دون عائد كبير ، و الحاجات هي:
أ- الحاجات الجسدية :
و تشمل الأمان ، الصحة الجيدة ، الأكل و الشرب ، التمارين الرياضية ، النظافة. و الظاهر أن أغلب هذه النقاط مفهومة ، لكن دعوني أشيد أولاً ببرنامج (فينا خير) و الذي تبنته وزارة التعليم على مدى عدة سنوات سابقة والذي كان يربي  في الطلبة حس المسؤولية من ناحية متابعة نظافة مدارسهم بطريقة منظمة و سلسة والذي أرجو أن يتم دعمه و تطويره لأن البيئة التعليمية غير النظيفة لا تصلح للخروج بالنتائج المرجوة ، ثم بخصوص ناحية التمارين الرياضية فإني أرى من واقع معرفة أن فترة الحركة الجسدية لم تعد تكفي طلبة المرحلة الابتدائية على الأخص بجميع صفوفها حيث أن مستوى فرط الحركة قد صار في تزايد بسبب أن تسلية الأطفال في بيوتهم لم تعد تتخللها أي حركة كافية لذلك أرجو إعادة النظر إما في عدد حصص التربية البدنية أو طول فترة الفسحة ليُتاح للطالب فرصة كافية من الحركة و الانطلاق و تحرير الطاقة المكبوتة.

ب- الحاجات الاجتماعية و العاطفية:
و تشمل أن يشعر بالتقبل و الترحاب ، التعامل اللطيف ، تكوين الصداقات ، المحبة المتبادلة. و هنا أذكر موقفاً ذكره لي أحد معلميّ الأفاضل حيث أنه درّس طالباً في الصف الثالث الابتدائي و قد سبقت الطالب سمعة سلبية بأنه متمرد و يرفض القيام بفروضه و واجباته ، و بذكاء المربي لم يكن يوجه الطالب لفعل شيء إلا أنه كان يطلب منه مع بداية كل حصة أن يسحب كرسيه و يجلس بجانبه طوال الحصة ، هذه الحركة اليسيرة فاجأت المعلم نفسه في سرعة استجابة الطالب و تفاعله الإيجابي بإحضار الواجب دون أن يطلبه منه أحد ، وقد اتضح لاحقاً الطالب يعاني مشكلة اجتماعية كانت أكبر من قدرة طفل صغير أن يتحملها.

جـ -  الحاجات العلمية و العقلية :
النمو الفكري ، الإبداع ، المنافسة و التحدي. و لاحظوا أعزائي أن هذه النقاط عبارة عن حاجات و ليست أفكاراً تربوية مجردة أو جامدة و لو لم تتمكن المدرسة من توفيرها فإن الطالب سيبحث عنها بشكل أو بآخر و هو ما قد يوقعه في طريق الخطأ ، وأظن أن أغلب معلمي المرحلة الابتدائية على وجه الخصوص سيتفقون معي أن الطالب في هذه المرحلة كثير الأسئلة في أمور قد لا تكون متوقعة في المنهج نفسه ناهيك عن أمور الحياة العامة وهذا دليل الحاجة إلى النمو الفكري ، و أنهم يتصرفون تصرفات غريبة بحثاً عن إبداع جديد أو ابتكار خارق و هذا ذكرني بأحد زملائي في المرحلة المتوسطة حين وضع علبة الألوان المائية داخل قارورة ماء حتى صار اللون داكناً جداً و أخذها للمعلم مفتخراً أنه ينتظر ما سينتج عن هذه الحركة لعل لوناً جديداً يظهر بدمج الألوان جميعاً ، فضحك المعلم و قال لن يحصل شيء ، و لو علم ذلك الأستاذ أن لهذا الطالب رغبة في المحاولة و الابتكار لعرف كيف يوجهه بدلاً من إقفال الباب بهذه الطريقة دون استثمار التوجه الإيجابي لدى الطالب ، أما الحاجة للمنافسة و التحدي فستبدو جليةً لأي شخص يقف في مكان عالٍ في ساحة المدرسة أثناء فترة الفسحة و يرى عدد سباقات الجري التي يقوم بها التلاميذ من تلقاء أنفسهم.

د- الحاجات الروحية :
و هي كلمة عامة يقصد بها المؤلف المكونات الشخصية الداخلية أو الأخلاقية بغض النظر عن الدين  كالشجاعة و المسؤولية و الحماسة و العزيمة و الحياء و البذل و العطاء وغيرها ، فهو يرى أن تغذية هذه الأخلاقيات و صقلها يبني شخصية متوازنة حيث أن أغلب الطلبة يخسرون حقيقة أرواحهم قبل أن يتخرجوا من مراحل التعليم العام فيعيشون حالة من التشوُّش و عدم تقدير الذات.
ولعلي أُأكد على أهمية الجانب الديني الذي لا يراه المؤلف ضرورياً في مرحلة الصِغَر ، حيث أنه يغذي كل ما تحدث عنه المؤلف إضافة إلى رسم نظام حياة أبدية ، و أقتبس نصاً للشيخ محمد الغزالي رحمه الله من كتاب ( الإسلام و الطاقات المعطلة) يتحدث في نفس السياق فيقول : ( الإسلام في كياننا الحسي و المعنوي موضوع وشكل ، و حقيقة و عنوان...فهو يملأ الفراغ  في مقاصدنا الداخلية و الخارجية ، فالمسلم  إنسان يؤمن بالله الواحد الصمد و يصوغ حياته وفق أوامره ونواهيه ، ويوقن بأن المبتدأ منه و المنتهى إليه فهو يجعله له ما بينهما...ويحكمه في شؤونه كلها ، لأنه أولاً لا يرضى غيره حَكَماً ثم لأنه يلتمس الرضوان و السعادة من وراء هذه الطاعة التامة والتسليم المطلق...وأن سره وعلنه لمولاه وحده مقتدياً بنبيه الذي علمه ربه أن يقول: ( قل إن صلاتي و نسكي و محياي و مماتي لله رب العالمين * لا شريك له و بذلك أمرت و أنا أول المسلمين) ]الأنعام 162-163[ ، وقد تتعرض هذه العلاقة للضعف و القوة ، و الغموض و الوضوح ، غير أنها موجودة أبداً...)
هذا ما تحدث عنه المؤلف عما يحتاجه الطالب من مدرسته ، و بكل بساطة فإن المدرسة لا تنتظر من الطالب إلا شيئاً واضحاً ومحدداً ، فالمدرسة بحاجة لطالب ملتزم بحضوره ، منضبط في تصرفاته و سلوكياته ، مؤدٍ لواجباته ، لأن المدارس اليوم تعاني من الطالب الذي يبدو كما نقول : ( مقطوع من شجرة ) فعلى قدر الضخ الهائل من العلم و التربية الذي تقدمه المدرسة إلا أن خروج الطالب في نهاية اليوم كفيل بمحو كل تلك الجهود لأن الطالب قلَّمَا يجد من يعزز ما يحصل عليه في المدرسة بعد خروجه منها ، فكيف يمكن تحقيق التكامل في العملية التعليمة لتصب في مصلحة الطالب و المجتمع ؟ هذا ما سأكمل الحديث عنه في المقال القادم بإذن الله.

 تاريخ نشر المقال: 2016-09-29

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق