الأحد، 2 سبتمبر 2018

التعليم آمال و أحلام (٢)


أستأنف معكم أعزائي القراء ما كنا قد بدأنا الحديث عنه في الجزء الأول من هذه المقالة و قد كان الحديث عن بعض الأفكار المطروحة في كتاب الدكتور ستيفن كوفي (The Leader In Me) والذي كان يتكلم عن متطلبات كل فئة مرتبطة بالمدرسة وأضفت عليه ما تنتظره المدرسة من كل تلك الفئات وكنت قد أتممت الحديث عن الفئة الأولى وهي فئة الطلاب و أنطلق معكم اليوم للحديث عن بقية الفئات التي حددها الكتاب.

ثانياً - أولياء الأمور :
يذكر الدكتور ستيفين كوفي بأنه وفريقٌ معه قاموا بإجراء استطلاع رأي لأولياء الأمور للمرحلة الابتدائية بسؤالهم (ماذا يريد أولياء الأمور من المدرسة ؟ ) فكانت الإجابات مثيرة للاهتمام حيث إن أحداً منهم لم يتطرق للناحية الأكاديمية إطلاقاً فقد كانت أغلب إجاباتهم تتركز على الآتي : القدرة على التأقلم مع الآخرين ، المسؤولية ، تقبل اختلاف الآخرين ، القدرة على حل المشكلات ، التفكير الخلاق ، وهذا كما يراه معاكسٌ تماماً لما كانت تأمله أسرة التسعينات الميلادية من المدرسة و التي كانت تركز على ثلاثة أشياء فقط وهي :إجادة القراءة و الكتابة و الحساب ، و سبب هذا الفرق الشاسع في التطلعات هو أن الأسرة قد أصبحت أكثر تعليماً و وعياً و رغبة في كون ابنهم أو ابنتهم قادرين على التعامل مع الحياة بشكل ملائم بتنمية المهارات الذاتية .

و على الجانب الآخر فلا شك أن للمدرسة أيضاً تطلعات تأملها من أولياء الأمور أختصرها في أمرين : الأول هو الحضور الدائم ، و أعني به الحضور المعنوي الفعال و ليس الجسدي فقط ، و لا يكون الحضور فعالاً إلا بالأمر الثاني و هو محاولة تعزيز أهداف المدرسة على مختلف مجالاتها العلمية و المهارية و الأخلاقية حتى ولو لم تكن في غاية الإقناع لأولياء الأمور لأن توافق البيت مع المدرسة في الأهداف يوفر توازناً كبيراً لدى الطالب أو الطالبة و يجنبهم التنقاض الذي كثيراً ما تكون نتيجته سيئة عليهم.

ثالثاً- المعلمون :
يعتبر الدكتور ستيفن أن للمعلمين رغبات و متطلبات كثيرة و لكنه يرى الأهم هنا هو ما لا يرغبه المعلمون لأنهم بطبيعة عملهم و تعاملهم مع الأطفال و الطلبة يقدمون الكثير لدافع داخلي يحفزهم ، فما لا يريده المعلمون هو إعطاء حصص إضافية على جداولهم ، و في حين أن الدكتور ستيفين يرى أن الحل بعمل قائمة إضافية منذ وقت مبكر لما يُفترض على المعلم أن يُقدمه زيادةً على جدوله ، فإني أظن أن هذه الفكرة جيدة ومنطقية إلا أنها لن تكون مقنعةً كثيراً لمعلم يؤدي حصصاً تفوق نصابه المفترض أصلاً أو يقوم بتدريس عدد يفوق العدد المفترض من الطلاب ، لذلك أجدني مضطراً لإضافة هاتين النقطتين استناداً على الواقع في غالب دول العالم الثالث ، فالمعلم لا يرغب في تأدية جدول يفوق نصاب حصصه المقرر نظاماً و لا أن يُعلّم في فصلٍ مكتظٍ يُضيِّعُ جهودَه و يصيبه باليأس  دون عائد علمي أو تربوي على جيش الأطفال الذي يقف وحيداً أمامه ، و مع ذلك فإن الدكتور ستيفين لم يُغفل ما يريده المعلمون من مدرستهم إلا أن البروفيسور عبدالكريم بكار اختصر كثيراً مما قاله في كتابه مشكلات الأطفال بقوله :( إن المدرسة الجيدة هي التي يتوفر فيها شيئان أساسيان: جدية التعليم و شعور المدرسين فيها بالرضى عن أوضاعهم و أوضاع مدرستهم ، وقد ثبت من مشاهدات كثيرة أن ارتفاع الروح المعنوية للإداريين و المدرسين و شعورهم بالانتماء للمكان الذي يعملون فيه ،يحفز روح التفاؤل لدى الطلاب و يحفزهم على الإقبال على التعليم...)

أما المدرسة فهي تنتظر من معلميها أعلى درجات الانضباط لما للإخلال به من تأثير سلبي على المدرسة ككل من معلمين و إدارة و على العملية التعليمية و التربوية ، و تريد منه فكراً مبدعاً متجدداً لا أن يكون مجرد إنسان آلي يسرد ما في الكتاب و يؤدي مهامه بصورة جامدة و هذا يتطلب منه دوام البحث و الاطلاع في مجال تخصصه و تنمية ما لديه من معلومات و أساليب تعليمية ، فلو كان الطالب هو رأس مال العملية التعليمية فإن المعلم هو روحها و نواتها.
رابعاً - سوق العمل : وقد كان جميلاً أن الدكتور كوفي قد كون فريقاً لاستقصاء أهم الصفات التي يبحث عنها رجال الأعمال في موظفيهم فخرجوا لنا بعشر سمات أساسية وهي : مهارات التواصل ( اللفظي و الكتابي ) ، الأمانة والنزاهة ، مهارات التعامل مع فريق العمل ، المبادرة و تحفيز الذات ، إدارة الذات ، أخلاقيات راسخة حول بيئة العمل ، مهارات التحليل والفهم ،مواكبة التقنية الحديثة ،المهارات التنظيمية و تنسيق العمل ، التفكير الإبداعي. و لعل الكاتب أغفل الحديث عن توفر المهارة أو المعلومة المطلوبة للقيام بوظيفة ما على اعتبار أن هذا معلوم بالضرورة و أن توفر نصف السمات السابقة كافٍ في ظني -على الأغلب- لإيصال الموظف للمستوى المطلوب من العلم أو المهارة ، و الغريب أننا نلاحظ تقارباً كبيراً بينما يتطلع إليه أولياء الأمور و ما يرغبه رجال الأعمال من موظفيهم و هو ما يؤكد تنامي ثقافة أولياء الأمور بما يتطلبه سوق العمل من مهارات فهل المدرسة على ذات المستوى من المعرفة و القناعة؟

و على نفس الصعيد فإن المدرسة تنتظر من رجال الأعمال الدعم والرعاية مادياً ومعنوياً للقيام بالمزيد من البرامج التعليمية و التربوية و هذا ما أقترحه على الوزارة أن تفسح الباب للدعم المباشر للمدارس تحت إشرافها ، فما المانع من قيام بعض رجال الأعمال برصد مكافأة مثلاً للطلاب الذين يحققون نجاحات علمية ما أو للمعلمين المُتقدمين لتنفيذ برامج لا صفية خارج أوقات الدوام الرسمية أو المتميزين على مدار العام ، ناهيك عن توفير الأثاث و الوسائل التعليمية المتطورة لما في ذلك من ارتقاء بالعملية التعليمة و تسهليها ، و أنا على يقين أن لدى الوزارة و إدارات تعليمها الكثير من الأفكار الخلاقة التي تقبع حبيسة الأدراج في انتظار دعمٍ يحييها ، فلماذا لا تُطرح تحت رعاية بعض رجال الأعمال في بعض المدارس كتجربة ، وفي حال نجاحها يتم تعميمها على بقية المدارس بعد تسويقها أيضاً على  رجال أعمال آخرين يحملون من القيم و حب الوطن ما يحفزهم لدعم مثل هذه البرامج النافعة.

و أخيراً :
فقد اتضح لنا من خلال أفكار هذه المقالة أهمية العمل التكاملي و كيفية تسهيل هذا التكامل عبر معرفة متطلبات كل فئة مرتبطة بالمدرسة ، و في ظني أن خلاصة جميع الأفكار السابقة أن العبئ واقعٌ عليهم جميعاً إلا أن المدرسة التي هي واجهة وزارة التعليم تحمل نصيب الأسد من المسؤولية ، المسؤولية التي لو قامت بها كل فئة كما ينبغي لاختلف شكل التعليم لدينا اختلافاً كلياً حتى و لو  قلَّت الموارد و الصرف فالعملية التعليمية تستند بالدرجة الأولى على قيم عميقة يكفي وجودها النهوض بأمة كاملة ، فكيف بشعب عنده من الروح ما يكفي لتشييد مستقبل غزير الإنجازات.

تاريخ نشر المقال : 2016-10-18

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق