الجمعة، 27 أكتوبر 2023

أغلى النِعَم

محزن أن نرى بعض الناس يتفاخر ويدعي لنفسه الفضل فيما يحظى من النعم غافلاً أو متغافلاً تياسير الله له وأفضاله عليه وتغاضيه عنه، المحزن حقاً أنهم سائرون في درب مرعب يجهلون نهايته مع أن القرآن يشير إلى مصائر سالكي هذا الطريق، 

وقارون زعيم أولئك المتكبرين، مع أنه ليس أولهم: (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي ۚ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ۚ وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ)

فما بالكم أنه لما ادعى الفضل لنفسه، ادعاه لأنه كان عالماً بدين قومه فظن أنه حصل على هذه الكنوز عن استحقاق وجدارة، ولو كان كما قال لعلم أن من الهالكين قبله من كان أولى بهذا التفاخر وأقرب لأسباب التكبر، ولكنهم هلكوا لاستكبارهم، فلم يعِ ولم يتعظ.

وعلى النقيض، كان سليمان عليه السلام نبي ابن نبي وملكٌ ملكَ الأرض وما فيها من كائنات، ولكنه لم يستسلم لنشوة السلطة ولم يغتر بالقوة، فقال: (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ)

عجيب هذا الدعاء المليء خضوعاً واستسلاماً، فيطلب عليه السلام من ربه أن يساعده على شكره شكراً وافياً، ومع أنه نبي ابن نبي لكنه يطلب أن يُحسب (برحمة الله) من عباده الصالحين.
 
واليوم نرى بعض من انتفخ بما يملك من فتات، ويطير هنا وهناك متعالياً متكبراً متسلطاً على الذين هم دونه مرتبةً، أو أضعف منه منعة ولو كانوا خيراً منه وأولى منه بما ملَك، والمؤسف انخداع بعضنا بهؤلاء ومساهمتنا في نمذجتهم وإعلاء مكانتهم وماهم إلا مصائب تطفو فوقنا بلا قيمة ولا معنى.

فليراجع كل واحد منا نفسه، يراجعها في مشاعرها وما تحب وما تكره، ولنحجم ما قد يعترينا من تعالٍ أو تقدم في إعلاء الفارغين، ولنمعن النظر في نعم الله علينا ولنكثر الشكر والتذلل له والاعتراف بفضله تعالى، حتى تدوم هذه النعم.

فإن نعمة الشكر من أغلى النعم.

هناك تعليق واحد: